لا تلق باللوم على والديك

ونحن صغار، نظن أن آباءنا يجيدون أداء عملهم، وإن لم يكونوا فظيمين إلى حد كبير، فإنه لا يخطر على ذهننا أبدا أنهم لا يعرفون دائما ما يفعلونه. وحينما نكبر قليلا، نلاحظ أن آباء أصدقائنا يفعلون الأشياء بطريقة مختلفة قليلا. قد نحسدهم، وقد نعتقد أننا محظوظون، أو خليطا من هذا وذاك. وكلما كبرنا، قد يتضح لنا أن آباءنا يرتكبون أخطاء فظيعة حقا في بعض الأحيان. وهذا ما حدث معي شخصية؛ فقد أدركت في مرحلة مبكرة من حياتي أن أبي يناضل من أجل النجاح غير مبال باسرته، وقبل مرور وقت طويل أدركت أن أمي ميئوس منها أيضا، ولكن لأسباب مختلفة تماما، وأنها كانت تجاهد التأقلم مع هذا الوضع أو لتظهر أي قدر من العاطفة نحونا. والآن، في حالتي هذه، كانت الأمور في غاية السوء حتى إنه كان على التسليم بالأمر الواقع والتعامل معه على هذا الأساس. فإما أن أمضي قدما أو ألقي باللوم على والدي في كل مشكلة تعترض حياتي، وقد اخترت أن أدرك أن أمي لم تخلق أصلا لتكون أما، وأنه من المستحيل على أمثالها من النساء أن يقمن بتربية سنة من الأطفال. ولو كان مقدرا لى أن أسلك سبيلا مختلفا في الحياة حيث أكون مطالبا بتدريب فريق كرة قدم، أو إدارة محطة لتموين السيارات، أو التدريس لحجرة مدرسية مكتظة بثلاثين تلميذا صبي المراس، ما كان أدائی ليصبح أفضل حالا من أداء أمي: فجميعنا لديه أشياء لا يستطيع فعلها، ولعل أمي قد أدركت بعد فوات الأوان أنها لم تخلق لتكون أما. لذا، فقد صفعت عنها، ومضيت قدما في حياتي. وكان من نتيجة ذلك أن نجوت من الشعور بالمرارة والسير متخبطة على غير هدى، وتمكنت من وضع ما لحق بي من أضرار في إطار ذهنی إيجابي، وإن كنت تعتقد حقا

أن أحدهم قد دمر العشرين عاما الأولى من حياتك، فإن الشيء الوحيد المنطقي هو أن تحرص على ألا تدمر أيضا الخمسين عاما التالية منها أو ما شاء الله أن يزيد في عمرك. ومن المفارقات العجيبة أننا غالبا ما نجد أن هؤلاء الذين يحظون بوالدين رائعين يجدون صعوبة بالغة في التوقف عن إلقاء اللوم عليهما بسبب عيوبهما الاستثنائية؛ فإذا كان الوالدان جيدين في عملهما، فإنهم يعمدون إلى إلقاء اللوم عليهما لأنهما ليسا خاليين من العيوب. ولكن لماذا يجب أن يكونا خاليين من العيوب وبالله عليكم كيف لنا أن نتوقع من الإنسان ألا تذل قدماه طوال ۱۸ عاما؟ إن والديك بشر أولا وأخيرا ، ومن الوارد جدا أن يفعلا شيئا على طول الطريق يسبب لك الاستياء أو بخلق لك صعوبات، وهذا ما يحدث عندما يفضي أشخاص لم يتلقوا تدريبا ۱۸ عاما في وظيفة معينة؛ ففي الغالب سيحدث خطأ من نوع ما. لقد كانوا يبذلون كل ما بوسعهم، ولم يكن بمقدورهم فعل شيء. ولكن بمقدورك أنت فعل شيء: بمقدورله. اختبار التوقف عن إلقاء اللوم عليهما والصفح عنهما. في الحقيقة، ما الذي ستصفع عنه؟ إنهما لم يخطئا عن عمد، وكل ما هنالك أنه كانت لهما بعض الهنات. وقد فات أوان إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح بإلقائك اللوم على والديك، ولكن لم يفت أوان الصفح والمضي قدما، وإدراك أن نيتهما كانت سليمة، والتخلص من آثار أي أضرار باقية.